🧭 بوصلة التعاطف


هذه تدوينة نشرتها قبل ما يقراب شهرين، والآن أرى أهمية تذكير إخواني بمضمونها، وتتعلق بطريقة تعاطفنا مع الأحداث، دعاني لذلك بعض المظاهر التي يمكن وصفها على الأقل بأنها غير سليمة أو غير جيدة.

ينبغي أن نكون نحن المتحكمين في ضبط مشاعرنا وانفعالاتنا، لا أن نذر "الصورة" التي يبثها "الإعلام" هي من يتحكم فينا، سواء كان قناة فضائية، أو تطبيقاً تواصلياً.
نحزن، نفرح، نستبشر، نتألم، نشجع، نزجر.. وفق ما نراه نحن من معطيات مستقصاة وصحيحة.
والمعطيات الصحيحة:
١-وقائع حقيقية.
٢-دليل يسلط الضوء عليها.
٣-طريقة تفكير صحيحة.

ربما لم آتِ بجديد! لكن الحاجة تدعو إلى التذكير بذلك في ظل وجود «إعلام قوي» يرتب القضايا والمسائل في أذهان كثير من المسلمين، وقد كان الأولى -بل الحق- أن يقوم بهذا الدور لهم: القرآن والسنة.

اليوم يشحن الإعلام المسلمين تجاه بعض قضاياهم بطريقة عاطفية، دون أن يتوازن، ودون أن يكون معتدلاً، ودون أن يدفعهم إلى العمل الإيجابي، ودون أن يرشّد انفعالاتهم، ودون أن يتخذ موقفاً صحيحاً مما يجري..إلخ.
والنتيجة: متفرج يدمن المشاهدة، حزين إلى درجة الإحباط، مسلوب الإرادة والفاعلية، فاقد البوصلة، حاد الرأي.. وهذا إذا كانت المصادر التي يتابعها يُظن أنها معه وفي صفه. فكيف إذا كانت المصادر منحازة ضده أصلاً!

أحد الذين كان لهم ورد في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ يقول: بلغتُ خواتمها في الوقت الذي اندلعت فيه شرارة أحداث كبيرة، فمن فضل الله علي أن أكسبتني هذه القراءة اعتدالاً في الفكر، وبعداً في النظر، وسكينة في المشاعر، ويقيناً بوعد الله، وتوقعت بعض المآلات، وقد فهمت من السيرة ماذا يعني النصر وماذا يعني التقدم، وماذا تعني الانتصارات الجزئية وطبيعة الهزيمة ومعناها والتعامل معها… إلى آخر ما ذكر. وهذه نتيجة طبيعية للذين يهتدون بالسنة والسيرة النبوية، ومثل ذلك للمتدبرين لكتاب الله تعالى.

وقد سألني البعض في وقت مبكر عن متابعة الأخبار في قناة مشهورة بتغطية الأحداث فقلت لهم: نزِّهوا أسماعكم عن متابعة أخبار الفضائيات. لأن الإعلام عندما يعطيك الخبر يجتهد في صناعة تفكيرك تجاه ذلك الخبر وتوجيه انفعالاتك.
والدليل على ذلك ما يلي:
- استطاع الإعلام أن يرمز في عقلك شخصيات لم تتعرف عليها إلا من خلاله، ومؤخراً.
- استطاع الإعلام أن ينتزع من قلبك أهم المنجزات، بعد أن كنت تنظر إليها بدهشة بالغة.
- استطاع الإعلام أن ينسيك قضايا أخرى كنتَ مشغولاً بها قبل ذلك. فأين الناس اليوم عما يجري في السودان مثلاً؟
- بعض المصادر تضاعف عدد مشاهديها ومتابعيها (بزنس) وهو مجرد ناقل للأخبار التي تبثها الوكالات.
وغير هذا من الأدلة.

أخيراً، أنبهك إلى أني لا أدعوك لأنْ تكون خِلواً من المشاعر، أو غير مهتم ومتفاعل مع قضايا أمتك، فإن طبيعة المؤمن التعاطف مع أمته كما ورد في الحديث، ولا تظن أنني أمجد أولئك الذين لا يهتمون بشأن المسلمين، أو أنني أفصل بين العقلانية والمشاعر، … لكني أريد من نفسي ومنك أن نكون رجاعين إلى كتاب الله وسنة رسوله وسيرته صلى الله عليه وسلم، ومنها نتعلم النظر في هذه القضايا، والتعاطف المعتدل ومعرفة الواجب الصحيح لا الانفعالي، وبها تستطيع المزج بين الفرح والحذر، وبين الحزن والتفاؤل، وبين المكاسب والخسائر، ومنها نحافظ على بوصلة التعاطف من الانحراف.

يا شباب..
تفاءلوا فإن الله ناصر دينه..
وامنعوا الإعلام من التحكم بعقولكم..
واحذروا أن تهدر طاقاتكم فيما لا نفع فيه..
وابذلوا من أوقاتكم في طلب العلم النافع..
الله يبصرنا وإياكم بالحق، ويعيذنا وإياكم من زيغ القلوب والعقول. والله أعلم.
فايز الزهراني

Comments

Be the first to add a comment