أخت الطريق وماء العين ..
المسير في هذه الحياة والخوض في غمار كدها وبلائها وامتحانها، والعشرة لأصناف الناس، وتحول الأحوال، فكل يوم أنت في شأن، وتقلب الناس بين الرضى والسخط عنك، ومواجهة التحديات والصعاب والأزمات وحدك !
كل هذا يشعرك وكأنك في معركة طاحنة مستمرة بينك وبين الثبات، يجعلك توقن أنه مطلب عزيز لا يتأتى لمن يقف أمامه مكتوف الأيدي، ولا لمن أرداه العجز واليأس والقنوط، ولا لمن سلط عليه التسويف بلعل وسوف، بل لابد أن تكون هناك مثابرة لا تنقطع ولو انقطعت أنفاسك، وجهد لا بد أن تبذله ولو تقطعت نياطك، وخطوة يلزمك أن تأخذها ولو بترت قدماك، فنحن أولًا ودائمًا نسير إلى الله جل وعلا بقلوبنا، ويصدق هذا السير وضوح الشعائر وبيانها في الحركات والسكنات والأقوال والأفعال والأعمال حتى الإلتفاتة دليل حتى السكينة دليل !
وهذا يحتاج منك علم وفقه بحق الله على العباد، وحق العباد على الله، ومن توحيده جل جلاله من إفراده بخصائصه تنطلق،
فهذا هو المحور الأول الذي يدور عليه الكون كله، فالله جل وعلا الرب السيد المالك الصمد الإله الحق فلا معبود بحق سواه هو المركزية الأولى التي تنطلق منها المفاهيم والتصورات ومنه البداية وإليه المنتهى والمعاد، فمن هذا الفقه تبدأ الخطوة الأولى ..
فالتوحيد ليس مجرد عقيدة نعتقدها وندندن بها، إنما هي معيّار الحياة التي تعيشها، فكل ما خلا الله باطل !
ولا نفسك التي بين جنبيك !

{قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين}

ومن هذا المنطلق أنت تحقق ثباتك ..

بتحقيق العبودية الحقّة بتمام الحب ومنتهى الذل والخضوع لله جل وعلا !

وحينها لن يكون لرغباتك وشهواتك واسمك وقبيلتك ومجتمعك وعالمك ودنياك ومالك وجاهك وسلطانك وشهادتك أي قيمة في مقابل إذا قضى الله أمرًا !

حينها سيكون منك حال كالرعيل الأول مانزلت آية تحريم إلا انتهوا ولا آية أمر إلى وجوب الفور في العمل !

فلم ينتظرن نساء الأنصار رجوعهن إلى بيوتهن حتى يرتدين الحجاب الشرعي
وتالله ما أعجب الوصف الذي يأخذ بتلابيب قلبك : شققن مروطهن فخرجن كأنهن غرابيب سود، لا يوجد اعتبار وقيمة لتلك المروط إذا ما شقت في سبيل الله جل وعلا وأسدلت لتنفيذ أمره وإجابته على الفور ..

ولم ينتظرن من يشيد بفعلهن ويسطر الثناء والمدح بالشعر والنثر ولا قلائد وجوائز ذهبية ولا مداليات فخرية ولا أي وسام إلا وسام الشرف الحقيقي نظر الله جل وعلا إليهن ليرضى هذا جل ما شغلهن وجل اهتمامهن وجل تفكيرهن وما دونه لا شيء يذكر فالدنيا وأهله صائرون إلى الفناء فكيف سيكون هناك إعتبار لأي شيء مادي؟!
فشكر الله لهن، وخلد الفعل منهن، فرضي الله عن نساء الأنصار !
ولم يكن هذا وليد اللحظة ..
بل السنوات التي عقدت في مفهوم التوحيد .. بتمام الحب ومنتهى الذل والخضوع .
فأنت مجرد عبد لله، والله يفعل بعبده ما يشاء ويختار، فليس لك إلا التسليم .. بتمام الحب ومنتهى الذل والخضوع ..

ومن هنا يبدأ الثبات كالجبال الشم ..

فكل من عبد الله على شف جرف هار إنهار
وكل من عرفه بربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته سكن وثبت وطمأن وفاز  ..

وأنت في معترك الحياة ثق أنك ليس لك إلا الله جل وعلا !
فأفلت يديك .. واشرأب بعنقك نحو السماء .. ولا تعد عيناك عن الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي واصبر نفسك معهم !
وإنما الدنيا ساعة وتنقضي، فاجعلها كلها لله جل جلاله، وأقف روحك لمولاك وسيدك، فإن الله يتقبل الصدقات من الخلص وكم من درهم سبق ألف درهم، وكم من أشعث أغبر لو أقسم على الله لأبره .

شيخة الهاشمي

Comments

Be the first to add a comment